ملخص الجهاز:
"و أعود الآن لاستخدام هذین المصطلحین لفهم العلاقة بین المعرفة و السلطة فی هذا النص إن السلطة تقوم بتحویل التراث المعرفی إلی ایدیولوجیا تسوغ وجودها،و تستخدم فی هذا التحویل الدیماغوجیة و القوة،و هما من سلالة(الفعل)مقابل(النقد )،و أمام هذه السلطة التی اتخذت من الدین الإسلامی أیدیولوجیا تسوغ لها نهب قوت الشعب عبر الضرائب و غیرها یمکن أن تقدم المعرفة غیر المؤدلجة عقلانیة الفلاسفة و المعتزلة أو اجتهاد الفقهاء،و لکن الجمهور لا یخاطب بهندسیة المنطق و دقة تشعبات العقل،إضافة إلی ما فی ذلک من غرابة علی التراث المنقول،و هذا ییسر للدیماغوجیة التلاعب اللفظی،کما أن اللغة الغریبة علی النقل تقدم بذاتها مسوغات نسفها بالقوة، أما الاجتهاد فقد توقف و ساد تغلیب النقل علی العقل.
حین یدعی الحلاج لمناظرة العلماء أمام الخلیفة -و قد دعی تاریخیا- فإن هذه الدعوة تبدو عادلة فی مظهرها،أما فی حقیقتها فهی أشبه بإلقاء مصارع مکبل أمام خصمه- أو خصومه-فالأرضیة التی تقوم علیها المناظرة لیست فی مصلحة الحلاج،کما أن أخلاق الأثینیین و معتقداتهم لم تکن فی مصلحة سقراط عند محاکمته،مع أن الأجواء کانت تبدو دیمقراطیة،و قد جاء الحکم بتصویت الأکثریة،و ذلک لأن الأیدیولوجیا قد حددت الحقیقة بشکل مسبق.
و الرموز التی تؤکد ما ذکرنا کثیرة و أهمها السجن،فالسجن تظهر دلالته الرمزیة عندما نقرا "دخل السجن فوجد فیه خلقا کثیرا"15و السجن قد یکون(الدنیا)16یستوی رمزی أعمق تقتضیه سیرة صوفی،إلا أن هذا المستوی لا یلغی نزعة الحریة علی مستوی أقل عمقا،فماذا یعنی قوله للسجناء-و هو واحد منهم-:"ما حبسکم هنا إلی ذنوبکم،و غفلة قلوبکم عن محبوبکم"17سوی التأکید علی رفضه شرعیة هذا السجن،ثم یأتی خروجه مع المساجین بشکل غیر شرعی تأکیدا علی عدم شرعیة الإدخال،و إذا کان الإدخال بشرعیة الشریعة کما یریدها السلطان(18فالخروج کان بشرعیة الحقیقة أو الکرامة،و قد جاءت الکرامة تحمل رموز الحریة:المرکب و البحر.."