ملخص الجهاز:
"فکل ما تفردت النفس الناطقة باستحسانه من غیرها فهو الخیر،و کل ما استقبحته منه فهو الشر، و الذی أصارها إلی هذه الحال ما یکتنفها من النفسین الشهویة و الغضبیة من شوائب فیها،فإنهما یجذبانها إلی الغلط فی الأمر الخاص،و لا یجذبانها إلی الغط فی مثله من غیرها،ولن تسلم من معارضتهما إلا إذا کانت قویة صارمة و النفس الشهویة لها ضرورة لاجتذاب المطاعم التی بها قوام البدن،و الارتکاب للطیب من المناکح التی بها بقاء النسل.
"و إنما قیل إنها ثلاث لأن من شأن الشیء الذی یبدأ أثره ضعیفا ثم یقوی غایة القوة أن ینقسم ثلاثة أقسام،أعنی الابتداء و التوسط و النهایة،أعنی أن المضغة تستمد الغذاء،و تتصل بها عروق کعروق الشجر و النبات فیأخذ من رحم أمه بتلک العروق ما تأخذه عروق الشجرة من ترتبه،فیظهر فیه أثر النفس النامیة،أعنی النباتیة،ثم یقوی هذا الأثر فیه،و یستحکم علی الأیام حتی یکمل و ینتهی بعد ذلک إلی أن یستعد لقبول الغذاء بغیر العروق،أعنی أنه ینتقل بحرکته لتناول غذائه فیظهر فیه أثر الحیوان أولا أولا...
فسلامة النفس من سلامة البدن حینها یتحقق الاعتدال النفسی،و یتحدث التوحیدی عن السکینة التی تحدث فی النفس و التی یعنی بها(التوافق النفسی)فیقول: "إنما یشع من هذه السکینة علی قدر ما استودع صاحبها من نور العقل و قبس النفس،وهبة الطبیعة،و صحة المزاج،و حسن الختیار،و اعتدال الأفعال،و صلاح العادة،و صحة الفکرة،و صواب القول،و طهارة السرو مساواته للعلانیة و غلبته بالتوحد،و انتظام کل صادر منه و وارد علیه.
فلا سبیل للإنسان لإدراک السعادة و اللذة الدائمة إلا إذا خلع عنه ربقة الشهوات،یقول التوحیدی: "إن الأولی بهذا الإنسان المنعوت بهذا الضعف و العجز أن یلتمس مسلکا إلی سعادته و نجاته قریبا، و یعتصم بأسهل الأسباب علی قدر جهده و طوقه؛و إن أقرب الطرق و أسهل الأسباب هو فی معرفة الطبیعة و النفس و العقل و الإله تعالی."