ملخص الجهاز:
"فهل نحن بحاجة بعد کل هذا الی دلیل علی أن المنطقة العربیة، من الفارسی الی الاطلسی کما یقولون،منطقة جیوبولیتیة واحدة، أمنها واحد و مصیرها واحد ازاء الغزو الخارجی و ازاء النفوذ الخارجی سواء جاء من وسط آسیا أو من شطآن أوروبا أو من قارة الاطلنطید أو من مروج الاقوام السلافیة؟و هل نحن بحاجة بعد کل هذا الی دلیل علی أن عزلة مصر عن غلافها العربی و عزلة العرب عن وقائهم المصری اسطورة سیاسیة ولدها الاحساس بالقهر و الاحباط و طلب النجاة بأی ثمن و لو کان الاعتصام فی برج الاوهام السویسریة الذی عاش فیه لبنان زمنا ثم أفاق و هو یقطر دما علی أن أمنه بل وکیانه جزء لا یتجزء من أمن المنطقة وکیانها؟ و مع ذلک فهذه الاسطورة الانعزالیة لا تقل شططا عن اسطورة أخری هی اسطورة الاندماجیة المتمثلة فی دعوة القومیة العربیة التی تفرض أن شعوب المنطقة أو أقوامها من الخلیج الی المحیط «أمة واحدة»،لیس فقط ثقافیا و حضاریا و لکن عرقیا و عنصریا کذلک.
و هذا هو عین الخطأ الذی یکرره البعثیون أو القومیون العرب فی دعوتهم الحدیثة،و هو استغلالهم لوحدة الثقافة العربیة-أیا کان معناها فی أذهانهم- فی دعوة مرکزیة الدولة العربیة و مبدأ الوحدة الاندماجیة التی تهدر فیها کل القومیات ما عدا القومیة العربیة و تهدر فیها کل القضایا و کل المصالح و کل المناهج الا ما تراه قضیتها و مصلحتها و منهجها،فغدت دعوة شقاق أکثر منها دعوة وفاق و فجرت ردود الافعال العنیفة فی کل مکان بدلا من تنمیة التألف و جمع الکلمة بین قومیات المنطقة العربیة،و استفزت مفکرا مثل توفیق الحکیم الی ان یعلنها صراحة:«اذن عندما نقول ان العرب أمة واحدة،لها قضیة واحدة،فهو قول لا اساس له من الواقع،لان الواقع هو أن لکل دولة عربیة قضیتها و مواقفها التی تهمها فی المکان االول»،بل و استفزت مفکرا مثل حسین فوزی الی تصور انسحاب مصر من ارتباطاتها العربیة تماما و تحول القاهرة الی جنیف تستضیف التجمعات العربیة دون ان تکون طرفا فیها."