ملخص الجهاز:
"و کان من وراء هذه المشادات بین العرب و هذه القوات الأجنبیة أن جلبت معها جوانب من-هذه الحضارات الشرقیة و الغربیة-دیاناتها و معتقداتها،خاصة منها النصرانیة و الیهودیة و المجوسیة،علما بأن هذه الدیانات کانت قد دخلت الی الجزیرة العربیة قبل هذا التاریخ بأمد بعید عن طریق التجارة الی أن توسعت معارفها مع هذه الحروب،حیث کانت هذه الجزیرة طریقا عظیما للتجارة بین الأمم المجاورة لها،و کانت مکة علی وجه الخصوص قاعدة ینطلق منها العرب لتجارتهم«و علی تجارة مکة کان یعتمد الروم فی کثیر من شؤونهم، حتی فیما یترفهون به-الحریر-و حتی یستظهر بعض مؤرخی الفرنج أنه کان فی مکة نفسها بیوت تجاریة رومانیة یستخدمها الرومانیون للشؤون التجاریة و للتجسس علی أحوال العرب،کذلک کان فیها أحباش ینظرون فی مصالح قومهم التجاریة»4.
ربما کان أهم سبل الاتصال بین الحضارة العربیة و الحضارات المجاورة هو ما أشار الیه الدکتور ناصر الدین الأسد عند تعرضه لاتصال العرب بغیرهم عن طریق التجارة و الأسواق و المواسم العربیة،حیث کان یؤمها-کذلک-بعض التجار الفرس و الهنود و المصریین،و الرومان،فکان کل أولئک یلتقون علی صعید واحد یأخذون و یعطون،و یتبادلون ما عندهم من متاع و عروض،و من آراء و أفکار و من مظاهر الحضارات،بعد ذلک أشار الی خاصیة أخری تعد من أهم سبل هذا الاتصال و هی«هذه الجالیات الأجنبیة الکبیرة التی کانت تفد علی الجزیرة العربیة فتقیم فیها و تطیل المقا،بل تتخذ منها موطنا آخر تقضی فیه حیاتها و تنشیء فیه ذریتها فکانت هذه الجالیات مختلفة الأدیان و الأجناس و الأهداف:فمنهم النصرانی و الیهودی،و المجوسی،و الوثنی،و منهم الفارسی، و الرومی،و المصری و لاهندی،و الحبشی،و منهم من جاء الجزیرة للتجارة فافتتح فیها دورا للهو من غناء و شراب و بغاء و منهم من جاءها فأنشأ فیها مستعمرات زراعیة فعمر الأرض و أثارها هناک،و منهم من جاءها لغیر هذا و ذاک،کالبعثات التبشیریة الدینیة التی انبثت فی أنحاء الجزیرة و جاست خلالها و انتشرت بین أهلها،و أقامت البیع و الصوامع و الأدیرة فی المدن و الصحراء7."