ملخص الجهاز:
"و مثل سلفیه ولد عیسی بدمشق،و کان ذلک فی أواخر عهد الخلیفة الأموی هشام بن عبد الملک،و أبوه الحکم لا یزال فی ریعان شبابه،و هو الذی تولی تعلیم ولده مهنة الطب-کما أسلفنا-مع طلبة آخرین کانوا یتمرنون علی یدیه.
و ها هو ذا التاریخ یعید نفسه بطریقة ما:فکما أن الأمیر یزید بن معاویة الأموی،حج مطلع عام 15 هـ176/ م،مرسلا نیابة عن والده أمیر المؤمنین، و کان طبیبه الخاص طوال موسم الحج المبارک أبا الحکم الدمشقی،کذلک کان موسم الحج فی مطلع خلافة هارون الرشید عام 171 هـ787/ م،أی بعد مرور مائة و عشرین سنة هجریة بالتتابع،و فی ذلک الحین کانت للخلیفة انشعالات و مسؤولیات فی تدبیر الدولة قاصیها و دانیها،لم تسمح له بأداء الفریضة ذلک العام،فکان أن أقام الحج فی ولایته ذلک العام أبو محمد عبد الصمد بن علی الهاشمی(ت 581 هـ108/ م)،و هو أخو محمد بن علی(والد أبی العباس السفاح و أخیه أبی جعفر المنصور،مؤسسی الدولة العباسیة).
و قد حمل هذا الکناش ثلاثة عناوین: الرسالة الکافیة،لأنها رسالة کانت کافیة فی صناعة الطب یستغنی بها عن الکتب الأخری،اذ هی وافیة بمحتویاتها شاملة بمعناها و فحواها؛ و الیاقوتة،لمانتها العلمیة و قیمتها الطبیة الجوهریة بصفتها کأنفس الجواهر؛ و سمیت کذلک الرسالة الهارونیة،اذ هی مهداة من مؤلفها الی نصیره الخلیفة هارون الرشید(071-391 هـ678/-908 م)،اعترافا بفصله فی احیاء العلوم و المعارف.
فی مقدمة الرسالة الهارونیة قال الشیخ الفاضل و الطبیب الماهر أبو الحسن عیسی الدمشقی: «الحمد لله الواحد الأحد،الفرد الصمد،الذی لم یتخذ صاحبة،و لا ولدا،خالق جمیع المصنوعات،و منشیء أجسام العالم من تراب و ماء و هواء و نار،و مسخر الأفلاک الجاریات،و کل ذلک بقدرته و جریا علی ارادته و سابق علمه:فلا من نفع أو ضرر،أو خیر أو شر،أو صحة أو سقم،أو فرح أو ترح،الا و قد سبق علمه'به."