ملخص الجهاز:
"و الناحیة الهامة فی دراسة کهذه لیست شخص المدروس نفسه،فإن ابن عمیرة فی ذاته کان من حیث المستوی الانسانی و الفکری رجلا عادیا،کل میزته ملکة لا بأس بها فی الترسل،و هذه الملکة کانت أیسر ما یدرس فی تلک العصور فهی تقوم علی استظهار طراز معروف من کتب الأدب،ثم استعمال الثروة اللفظیة الضخمة التی تتحصل بهذه الصورة فی إنشاء کتابات أو رسائل مسجوعة لا یتحصل منها شیء ذو بال إلا بعد العناء،و لکن الناحیة الهامة هی ان استخراج حیاته و تعرف تفاصیلها یعطینا قطاعا رأسیا فی حیاة ذلک العصر،و أنت هنا کأنک تعمد إلی شجرة ضخمة من أشجار الغابة فتستخرجها من الأرض بجذورها کلها التی تذهب عمقا و فی کل إتجاه عشرات الأمتار، فتجد أمامک مقطعا فی باطن هذه الأرض یریک مادتها و ترکیبها و ما فیها، فالشجرة فی ذاتها لا تعنینا کثیرا فی هذا المطلب،الذی یعنینا ما یدل علیه قطاع جذورها،و هذا بالذات ما ظفرت به فی هذه الدراسة المستوفاة،فقد ذهب محمد بن شریفة مع الرجل إلی جذوره البعیدة جدا:أصله و أجداده و أسرته و بلده و شیوخه،ثم رافقه فی حیاته مرحلة مرحلة مقدما لنا التفاصیل الدقیقة فی کل حالة،فتحصلت لنا من هذه الدراسة معلومات کثیرة جدا ذات قیمة کبری لمجتمع الغرب الإسلامی کله خلال النصف الثانی من القرن السادس الهجری و النصف الأول من السابع،و هو عصر انحدار محزن فی تاریخ الغرب الإسلامی،شهدت فیه دولة الموحدین أوجها فی انتصار الأرک ثم قاصمة ظهرها فی معرکة العقاب،و شهد الأندلس الإسلامی خلاله انهیار الآمال فی انقاذه و استعادة مجده نتیجة لما وقع من تشقق بنیان دولته و تداعی أرکانها بسبب الخلافات و الأحقاد و المطامع الرخیصة التی ملأت قلوب رجالها و ذهبت بهم وبدولتهم إلی الزوال."