ملخص الجهاز:
"إذا کان شاعر مرموق من شعراء العربیة کعبد الوهاب البیاتی یری فی استخدام الأسطورة مظهرا إیجابیا،لأنها دفعته لأن یکتشف الأقنعة الفنیة، باتکائه علی التاریخ و الرمز و الأسطورة،فإن باحثا و ناقدا معروفا،و هو ارنست فیشر،یری أن استخدامها-بخاصة فی المجتمعات البرجوازیة- ما هو إلا دلیل یتمظهر فی السلبیة و العجز عن إیجاد لغة مشترکة بین الذات و العالم،بین الوعی الفردی و الوعی الجمعی،و ذلک نتیجة شعور الفرد بالغربة و الاستلاب Alienation ،فلجوء الأدیب إلی الغموض و التعمیة و الأساطیر هو نتیجة لشعوره بالغربة و التشیؤ،و یبدو اللجوء إلی الأسطورة مظهرا سلبیا،أو تعبیرا عن حیاد مفتعل،أو عجزا عن المشارکة فی إیجاد حلول لمشکلات الإنسانیة التی أفرزها النظام البورجوازی،یقول بهذا الصدد:«إن هذا الاتجاه هو قبل کل شیء نتیجة الاستلاب،فالعالم البروجوازی المصنع و المشیأ،قد أصبح جد غریب بالنسبة لسکانه(...
بالإضافة إلی ذلک یمکن القول إن الأسطورة هی رؤیة جمالیة،تعتمد علی الصورة الشعریة التی تحاول رصد التاریخ و الرمز الأسطوری فی تشعب دلالاته،و من ثم هی صیاغة بدیل جدید لتاریخ جدید،مهمته أن یتباین مع وضع تاریخی سابق لیتجاوزه و یدل علیه فی آن.
و یمکن القول إن استخدام الأسطورة هنا بهذا القدر من التکثیف لا ینهل من ألف لیلة و لیلة فحسب بل ینهل من أساطیر أخری کأسطورة جلجامش و أنکیدو،و من بعض الأساطیر الدانمارکیة و قد یکون هذا الاستخدام تحویرا لمجموعة من الأساطیر،و خلق أسطورة خاصة ابتدعها الشاعر بناء علی هذا التحویر:«إن الشاعر العربی الحدیث لم یعد یتصرف بقدر من الحریة مع مادة شعریة أو أسطوریة سابقة علی محاولته الشعریة و حسب،بل بات یصوغ هذه المادة صیاغة حرة لدرجة أنه کان یبدل بعض معانیها أحیانا»43."