ملخص الجهاز:
"إطاحة المفهوم الجدید للإمامة بالعقلانیة الدینیة ـــــــ وإذا تأملنا الیوم هذه المیزات الثلاث، سنجد أن مفهوم الإمامة الیوم ـ وهو المعلم الأساس للتشیع ـ غدا مناهضا للعقلانیة مطیحا بها؛ فما یؤکد علیه فی المجالس الدینیة هو الجانب ما فوق البشری للأئمة، وبعبارة أخری: الأشیاء التی أعجزت الآخرین عن أن یصبحوا أئمة، فهم بالطبع مختلفون عن الآخرین تکوینا، فطینتهم وخلقتهم مختلفتان عن سائر الناس مما یؤدی إلی کون مرتبتهم الوجودیة صعبة المنال إن لم تکن مستحیلة، لم یکن هذا النوع من المسائل مطروحا فی القرن الأول والثانی الهجریین، أو کان مطروحا بشکل محدود وبسیط، ویؤکد کل من الإمام علی وما بقی من النصوص الدینیة المعتبرة علی کون الأئمة بشرا، وأقصی ما أکدوا علیه ووضحوه أن أفضلیتهم تکمن فی علمهم وبصیرتهم وصفاء نفوسهم وتهذیبها وعقل درایة مقابل عقل روایة؛ فلا أثر لتعریف سید الشهداء والإمام علی وغیرهما من الأئمة أنفسهم استنادا إلی البعد ما فوق البشری عندهم، ویکفی فی هذا المجال مراجعة نهج البلاغة وخطب الإمام الحسین والصحیفة السجادیة وسائر النصوص الدینیة المعتبرة.
ثمة سؤال یطرح هنا: هل کانت ستتقبل اعتقادات متکلمی القرنین الرابع والخامس وما بعدهما فی القرون الهجریة الأولی؟ یذکر العالم الرجالی المرحوم المامقانی جملة فی ذیل بحوثه الرجالیة من کتاب «تنقیح المقال»، أن أکثر ما یعد الیوم من ضروریات المذهب فی أوصاف الأئمة^ کان القول به معدودا فی العهد السابق من الغلو، وکان المامقانی قد کتب هذا القول فی القرن الثالث عشر، بناء علی هذا، فقد حصل علی امتداد عشرة إلی أحد عشر قرنا تغییر واسع؛ أی أن الأمور التی کانت تعد فی القرن الثالث من الغلو تبدلت إلی أن أصبحت فی القرنین الثالث والرابع عشر أصلا من أصول المذهب الشیعی وضروریاته، إن هذه المسألة تدفعنا إلی إعادة التفکیر فی الأمر وإصلاحه بحیث یحوی علی الأهمیة التی قام الإمام الحسین× ونهض من أجلها."