ملخص الجهاز:
"وبهذا یمکن أن نعرف أن رسالة موسی لم تکن رسالة قومیة کما قد یتبادر ذلک إلی الذهن أو تشعر به بعض الآیات التی یفهم منها أن موسی کان یطالب بإنقاذ بنی إسرائیل وقد خرج بهم من مصر وعبر بهم البحر، حیث إن خطاب موسی لفرعون من ناحیة، ووجود مؤمنین لموسی فی الوسط الفرعونی کما سوف نشیر من ناحیة ثانیة، ومضمون حدیث مؤمن آل فرعون من ناحیة ثالثة یؤکد هذه الحقیقة.
وتمثل المرحلة الثالثة: جانب استقلال الجماعة والحکم وما یستتبعه من مضاعفات وخلافات، ذلک لأن الدعوة فی مرحلتها الأولی ـ عندما تکون فی مواجهة أعدائها وفی ظل الحکم والعلاقات الاجتماعیة الأخری ـ تعمل من أجل تحقیق أهداف عامة وترفع شعارات معینة، وفی هذه الأهداف والشعارات ـ مثل شعار الخلاص من العبودیة والظلم أو تحقیق العدالة الاجتماعیة أو العودة إلی الأرض المقدسة ـ قد تلتقی آمال الشعب کله وتتجمع تدریجیا فتصبح فی موقف واحد وحرکة واحدة، وأما حین یأتی دور تحدید هذه الأهداف فی صیغ معینة وطریقة خاصة وتطبیق هذه الشعارات فی نهج وأسلوب خاص وتجسیدها عملیا، فقد نجد بعض الأعضاء فی الجماعة لا یلتقی مع هذا التحدید أو التطبیق لأحد سببین: 1 ـ الاختلاف بین التصورات السابقة لدی هؤلاء الأعضاء والمصادیق الخارجیة التی یواجهونها فی مرحلة التطبیق.
ونلاحظ هنا ثلاثة أبعاد لمظاهر الخلاف من خلال هذه القصة: الأول: فی جانب الفکر والعقیدة، حیث نجد تأثیرات المجتمع الوثنی الفرعونی الذی کان یعیش فیه الإسرائیلیون تظهر علی الإسرائیلیین أنفسهم بشکل واضح، حیث یطلبون من موسی ـ عندما مروا علی جماعة یعبدون الأوثان ـ أن یتخذ لهم أصناما وآلهة کما لهؤلاء القوم آلهة، مع أن الإسرائیلیین کانوا ذریة إبراهیم (علیه السلام) وإسحاق ویعقوب الذین حملوا الرسالة الإلهیة وتمیزوا برفض عبادة الأوثان وهاجروا إلی فلسطین من أجل ذلک."