عبر أجیال النبوات کانت رایة التوحید وبفضل تقدیماتهم وجهاداتهم المتواصلة تجلو وترتفع بصورة مطردة، إلی أن أطل الرسول الأکرم محمد(ص) بالرسالة الإلهیة الخاتمة والتی حملت أرفع وأعمق معارف التوحید وأغنی معانیها، لقد بلغت رسالة الأنبیاء والتی هی رسالة التوحید أعلی مراتب کمالها علی ید النبی الأمی الکامل ولم تکن الجزیرة العربیة لتحفل بالخروج من وحدتها لولا بعث فیهم نبیاً من أنفسهم لیثبت لهم أن لهذه الأنفس قابلیات التقدم الحضاری بعد أن کانوا أمیین، إذ لیس الأمی من لا یعرف الحرف ولا یعرف رسالة الحرف والتی دائماً کانت هی رسالة التوحید، توحید اللَّه وتوحید النفس وتوحید البشریة فی حظیرة واحدة.
لقد أراد الرسول(ص) أن یبنی أمة فاضلة لیکون فیها مدینة فاضلة بسعة الأرض، علی أساس أن تغییر هذه الأمة یبدأ بتغییر النفوس کما قال تعالی: إن الله لا یغیر ما بقوم حتی یغیروا ما بأنفسهم وقد جعل طریق ذلک بالدعوة والموعظة الحسنة، وقد حقق بذلک أعظم سبل الحریة والکرامة ولولا احترام الإسلام للإنسان لما کان اعتمد هذا المنطق، ولما أعلن بالخط العریض وحدة الأمم والشعوب والمرأة والرجل قائلاً بلسان الوحی: یا أیها الناس إنا خلقناکم من ذکر وأنثی وجعلناکم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أکرمکم عند الله أتقاکم.