ملخص الجهاز:
"وکیف کان ، فعلل اختلاف علماء المسلمین فی المسائل النظریة الفرعیة عبارة عما یلی : 1 ـ الاختلاف فی بعض المصادر والأدلة الاجتهادیة ، إذ لم یتفق رأی جمیع المذاهب علی اعتبار کل المصادر والأدلة ، بل وقع الخلاف بینهم فی بعضها ، ومن المناسب أن أذکر هنا نماذجا لذلک : منها : الاستحسان : فإن الإمام أبا حنیفة یعتبر الاستحسان ـ الذی أسسه عبدالله بن عمر ـ من مصادر التشریع ، بینما الإمام محمد بن إدریس الشافعی والإمامیة والظاهریة والأوزاعیة والثوریة لا یعتبر ونه منها ، وأن الشافعی قد ألف کتابا فی إبطال الاستحسان ونقده ضمن عبارات لاذعة حیث قال : (الاستحسان تلذذ ، ومن استحسن فقد شرع) (7) أراد أن یکون شارعا (أی : المجتهد).
وأما فی بعضها وإن لم یکن التقریب ولکن لا یختص هذا الخلاف بمذهب دون مذهب ، بل یعم جمیع المذاهب ، وهذا دلیل علی عدم کون منشأ الخلاف هو المذهب ، بل المنشأ فیه هو کونها نظریة والاختلاف فی المسائل النظریة أمر طبیعی ، فلیس منشأ الخلاف فیها الهوی والتعصب ، بل یکون منشؤه أصول الشریعة ومصادرها التی یجب علی الفقهاء والمجتهدین الاعتماد علیها فی مقام استنباط الأحکام للحوادث الواقعة والموضوعات المستحدثة ، إذ الفقهاء وإن اعتقدوا بأن کتاب الله هو المصدر الأول وسنة رسول الله هی المصدر الثانی للاستنباط ولکن من جهة اختلافهم فی أفهامهم وفی قواعدهم النظریة واختلاف أهل اللغة فی بعض الکلمات الواردة فی هذین المصدرین واختلاف القراء فی قراءة بعض الکلمات فی المصدر الأول ، واختلاف الرواة فی نقل الروایات وتعارضها ، وفی اعتبار روایة عند فقیه ، وعدم اعتبارها عند الآخر ، وفی وثوق مجتهد علی راو ، وعدم الوثوق به عند مجتهد آخر فی المصدر الثانی صار موجبا للاختلاف بین الفقهاء فی المسائل النظریة ، وهذا الاختلاف فی نفسه لیس خطرا علی الأمة."