خلاصه ماشینی:
"إلا أن الأمر لم یعد علی النحو المذکور فی القرون التی تلک السقوط الأندلس،و ذلک لأسباب عدیدة نبرز منها: أولا:أن النظام الغربی الحدیث و الذی بدأت أعمدته بالتشکل بعد سقوط القسطنطینیة عام 1452 م علی أیدی مسلمی الدولة العثمانیة،و ما نتج عن هذه الواقعة التاریخیة من انتقال مرکز الثقل فی قارة أوروبا المسیحیة إلی غربها،لم یؤد إلی صراع مصالح مضبوطة ضمن حدود جغرافیة لنظامین مختلفین،بل تعدی ذلک بکثیر عندما استطاع النظام الغربی الولید من إحداث تغیرات نوعیة فی خریطة العالم القدیم، و علی امتداد مساحاته البحریة و البریة،بدأت بواکیرها بطرد المسلمین من الأندلس و اجلائهم کلیة مع مطلع القرن السابع عشر.
ان هذه المقدمات قد تبدو للمرحلة الاولی بعیدة عن الموضوع المطروح للمناقشة فی هذا المؤتمر، ولکن التمعن بمختلف الظروف و الملابسات التی أحاطت بالمذبحة التی نفذتها السلطة السعودیة بحق المئات من الحجاج،تدفعنا إلی التعامل مع هذه الواقعة علی أنها تعبر عن طبیعة النظام،أی أن نحاول نلمس الأسباب العمیقة لحدوث هذه المجزرة،فی أسس هذا النظام و جملة القواعد التی تحکمت،بنشأته و طریقة تعاطیه مع ما واجه العالم العربی و الاسلامی من محطات صراع مفصلیة طوال هذا القرن،علنا بذلک نعرف:هل المذبحة التی نفذت تعتبر شأنا طارئا أم أنها تعبیر عمیق عن واقع النظام و جملة التوازنات المحلیة و الدولیة التی تنظم و توجه سیاساته؟ حول آلیة تشکل النظم السیاسیة فی الجزیرة العربیة: بقیت الجزیرة العربیة حتی القرن السادس عشر جزءا لا یتجزا من دورة الاجتماع الاسلامی، الذی حفظ لها موقعا متمیزا.
فما أن تمکنت الدول الأوروبیة من ضرب تجربة محمد علی فی مصر،فی النصف الأول من القرن التاسع عشر حتی کانت بریطانیا قد أوجدت الفراغ السیاسی و العسکری الذی یمکنها من وضع یدها علی الموانئ و الواقع الاستراتیجیة فی جزیرة العرب،جنوب عدن،فاتحة الطریق بذلک لجملة من الاجراءات التی أدت لاحقا إلی احداث تغیرات أساس فی البنیة السیاسیة و الاجتماعیة للجزیرة العربیة."