چکیده:
تعدّ المفارقة تعبیراً لغویاً، تسمح للکاتب بالدخول إلى عالم النص الأدبی، وتؤدی مجموعة کبیرة من الوظائف التی تختلف مستویاتها من نصّ إلى آخر. ممّا جعلها آلة فعالة ومفتاحاً جوهریاً من مفاتیح النصّ، إذ لا یمکن إدراک طبیعة النصّ الأدبی ودلالاتها من دون فهم مصطلح المفارقة واستیعاب ردودها. و ذلک لأنّ المفارقة التصویریّة، تقوم على إبراز التناقض بین طرفیها؛ هذا التناقض الذی قد یمتدّ لیشتمل على القصیدة بِرُمَّتها وتنقسم إلى قسمین رئیسیین یصعب الفصل بینهما؛ المفارقة اللفظیّة و مفارقة الموقف الّتی من عناصرها البارزة، التضاد بین المظهر والمخبر. لقد کانا مهدی أخوان ثالث ومعروف الرصافی أصواتاً منفردة فی تاریخ الشعر الفارسی و العربی، وقارئ شعرهما یقدر علی أن یتلمس هذا التفرّد عن کلّ الأصوات الشعریة التی سبقته أو عاصرته أو جاءت بعده. تعدّدت أشکال المفارقة فی شعر أخوان و رصافی کما تعددت أغراضها، فقد تقوم هذه المفارقة علی استثمار ألفاظ اللغة وأصواتها و دلالاتها، وقد تکون بناءً فکریاً قائماً علی تحریک اللغة علی المستویین الدلالی والترکیبی، ویوجهانها نحو تجربتهما الشعریة و من خلالها استطاعا أن یمسکا بوعی قرّائهم لیوجهه کیف یشاء، فهو اسیر حرکة لغة الشاعر. المفارقة التصویریة تعتبر مقوّماَ من المقوّمات الشعریة فی الأدبین العربی والفارسی؛ الّتی وظّفها معروف الرصافی مهدی أخوان ثالث کعنصر فنّی لإبراز أفکارهما وعواطفهما، ووصفا خلالها، المجتمع الشعبی والکبت السیاسی والاستعمار فی عهدین البهلوی والعثمانی؛ هذه الآلیة الشعریة لدیهما تؤدی إلی الصحوة الشعبیة، وادهاش القارئ وتحفیزه علی تأمل النصّ و اعمال الفکر و الحواس للوصول إلی مرامی المنشئ. هذه الدراسة تبین مواضع المفارقة التصویریة عبر تحلیل شعر الرصافی وأخوان ثالث؛ والمنهج الّذی اعتمدنا علیه فی هذا المقال هو المنهج الوصفیّ التحلیلیّ.
خلاصه ماشینی:
لقد حفلت هذه الأبحاث و الدراسات العدید من الملاحظات و الإستنتاجات النقدیة الصحیحة، ولکن مما لا ریب فیه أن الدراسة فی المفارقة التصویریة فی أشعار مقتطفة لدی معروف الرصافی و مهدی أخوان ثالث، تکشف عن عمق الرؤیة الإنسانیة، وتضعنا علی مقربة من الواقع النص الشعری فی شعر المعاصر، لذلک یمتاز هذا البحث بخصوصیة فریدة لم یتطرق لها أحد من الباحثین، و یکون مغایرا إلی حد ما لما ألف من دراسات أخری؛ و المنهج الذی نوظفه فی هذه المقالة هو المنهج الوصفی التحلیلی.
عندما یستتر صاحب المفارقة خلف قناع کلماته المعارضة للواقع المألوف، حیث نری کثرة هذا النوع من المفارقة فی أشعار العربی و الفارسی و یلبس الشاعر قناعا و یخفی وراءه و یودع لکلماته المتناقضة مع الواقع یکشف ما یصوره من المفارقات و من ذلک قول الرصافی فی قصیدة «إلی کم أنت تهتف بالنشید»: لأن القوم فی غی بعید وإن أنهضتهم قعدوا وثادا کأن القوم قد خلقوا جمادا أطلت وکاد یعیینی الکلام فما انتبهوا و لا نفع الملام إذا أیقظتهم زادوا رقادافسبحان الذی خلق العباداوهل یخلو الجماد عن الجمودملاما دون وقعته الحسـامکأن القوم اطفال نیام نهز من الجهالة فی مهود (الرصافی،2006: 605) کما یبدو أن عنوان القصیدة یبین لنا أنه ربما توجد فی الشعر المفارقة حیث نشاهد أن التضاد بین المظهر و المخبر کصفة أساسیة فی المفارقة و منها التناقض فی صورة الوزیر و هی لدی الجاهل عز و لدی العالم حقارة، و هو ملک البدو و الأمر بها علی أهل الحضارة، و الحکم و العدل هما من صفات رئیسیة و الواقع أنهما کالقط و الفأرة لدی الوزیر.