چکیده:
إذا كان مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات، نظرا لبعده التاريخي ونشأته الفلسفية المرتبطة بالعلوم الإدارية، لم يكن ليثير كثير نقاش في الجانب القانوني المتعلق به، فإنَّ هذا الأخير لم يكن غائباً عن هذا المفهوم. غير أن الحديث عنه كان كثيرا ما يشوبه الغموض لاعتبارات عديدة. وضعٌ، أخذ بالتبدل، منذ فترة ليست بالقريبة، لتصبح قضية المساءلة القانونية للشركات في نطاق التزاماتها المجتمعية أكثر حضورا والحاحا. ففي إطار التحولات الكبرى التي شهدها العالم في القرن الماضي، بدأ المجتمع الدولي يفكر في إيجاد شراكات أممية تتجاوز الحكومات، إلى الشركات. طموحٌ تم إنجازه في إطار ما سمي: "الميثاق العالمي لقطاع الأعمال لعام 2000 "، من خلال خطاب أممي مباشر، "غير ملزم"، لقطاع الأعمال والقائمين عليه ليبنوا است ا رتيجياتهم، بالتوافق مع مجموعة من المعايير الدولية بوصفهم شركاء مسؤولين في عملية التنمية المستدامة. وليرتب عليهم التزامات في مجالات أربعة تتعلق بحقوق الإنسان، والحقوق في العمل، كما حماية البيئة، ومحاربة الفساد. وليمثل التجربة الأممية الأبرز، إنْ لم نقل الوحيدة، التي حاولت أن تضفي على هذه المسؤولية بعداً قانونياً، وليجمع وللمرة الأولى، الفلسفة الإدارية لهذه المسؤولية بالفلسفة القانونية،
مقرباً إياها من المفهوم التعاقدي بين المنظمة الأممية وقطاع الأعمال، ومؤسساً لنص قانوني دولي ملزم في قضايا المسؤولية الاجتماعية للشركات. فكرة بحثية، قد تبدو مفاجئةً للبعض، لاسيما في إطار حديثها عن جانب قانوني لمسؤولية اجتماعية قائمة بذاتها، وبصريح النص على المفهوم "الطوعي والاختياري". بالرغم من ذلك، فقد تبدو متفقةً مع توجهات البعض الأخر، لاسيما بالنظر لأهمية ونبل الحقوق التي ينادي بها الميثاق، والتي لا يمكن أن تترك في إطار حرية الأخذ أو الترك. فالموقف، سيختلف من الزاوية القانونية والمجتمعية التي سَيُقرأ فيها طبيعة الدور الذي ستلعبه الشركات في عملية التنمية المستدامة والمسؤولية الملقاة عليها في هذا الجانب.
في جميع الأحوال، إنَّ فهم طبيعة الجانب القانوني لهذه المسؤولية الاجتماعية في ضوء أحكام وفلسفة المشرع الأممي للميثاق العالمي، يحتاج لفهم واضح ومعمق للقاعدة القانونية التي استند إليها الميثاق، سواء في إطارها التشريعي كما المؤسساتي، تمهيداً للحديث عن قوة هذه القاعدة القانونية، لجهة التأصيل والمساءلة. في ضوء ذلك سيناقش البحث طبيعة هذا الجانب القانوني للمسؤولية الاجتماعية للشركات من خلال محورين رئيسين: يعرض أولهما للمرجعية القانونية للميثاق العالمي، ويتناول ثانيهما قوتها القانونية.