چکیده:
لقد احتلّت الفکاهة حیّزاً من أدب العصر الوسیط حیث امتازت بها آثار الشّعراء بأنواعها المختلفة. والشّعوب بمختلف سلائقها تستذوق الفکاهة وتتفاعل معها خاصّة لو ساد علیها الطّابع التّهکّمی السّاخر من الأوضاع الاجتماعیّة والسّیاسیّة. یحاول هذا المقال واعتماداً على مبادئ المدرسة الأمیرکیّة فی الأدب المقارن، أن یقوم بدراسة مقارنة لعنصر الفکاهة فی العصرین المملوکی والمغولی عند الشّاعر والکاتب المسرحی العربی ابن دانیال الموصلی (685 هـ) والشّاعر الفارسی عبید زاکانی (772 هـ). وقد توصّلت الدّراسة إلى أنّ الشّاعرین قد صوّرا مثالب مجتمعیهما فی صور فکاهیة مؤثّرة تشابهت لا لکون أحدهما متأثّرا بالآخر بل للشبه الشّدید بین مآسی المجتمعین واستشراء حالات الفساد الاجتماعی فیهما. ومن المضامین الّتی تطرّق إلیها أدبهما النّثری والشّعری زوال العفّة والشّجاعة والعدل والأخلاق.
خلاصه ماشینی:
"تا: 168) ومن القضایا التی راجت فی المجتمع آنذاک ارتکاب الموبقات والخطایا والمجاهرة بها، ومنها الشذوذ الجنسی حیث یسوق ابن دانیال قصته علی لسان الأمیر وصال الذی قرر أن یتوب إلی الله بعدما لم یبق موبقة إلا ارتکبها، فهو بعد أن ضاجع البهائم بأنواعها یجد باب التوبة مفتوحا یسیرا حباه الله به وقد محا ذنوبه فی لمح البصر: فرعی الله من رأی ضعف حالیوحمانی من ارتکاب المعاصی وحبانی مساعدا فی طلابیوکفانی عذاب یوم الحساب (حمادة، 1961: 173) والمتمعن فی ما جاء من نصوص جمة عن عبید یجد بکل سهولة ما آلت إلیه أخلاق الناس (الأمراء والأشراف علی وجه الخصوص) من مجون وفسوق وانتهاک للأعراض والحرمات.
وفی مفارقة ملفتة للنظر ینوه ابن دانیال بمنجزات الحاکم الجائر الذی لم تجلب سیاساته الجائرة للبلاد سوی الدمار والبوار، فیسقط علیه المدح المعکوس قائلا: إن البلاد التی أصبحت والیهاوغمرت منک بالعدل العمیم إلی أن من بعد ما أصبحت طیر الخراب بها أضحت ولا جنة المأوی ضواحیهاطاب حاضرها سکنی وبادیهاعلی أسافلها تبکی أعالیها (حمادة، 1961: 160) ویقول عبید زاکانی: أما مذهب أصحابنا فإن سیرة العدل هی أسوء السیر وأن العدل یقتضی خللا کثیرة وقد أوضحوه بالدلیل والبراهین الساطعة وقالوا إن مبدأ الحکم والرئاسة یکمن فی السلطة، فمادام الناس لا یهابون أحدا فإنهم لن یذعنوا لحکمه، ولو سار الحاکم بالمساواة والعدل بین الرعیة لما استقام له الأمر ولأصاب الوهن مملکته ولتدهورت الأوضاع."