چکیده:
إن سلوک المجتمع البشری ینبعث دائمًا من ثقافته، والعقول المستنیرة تتشکل عادةً من واقع خبرته الشاملة، والاتصال بها لن یحرز أیة نجاحات مؤکدة وإیجابیة ما لم یستوعب جیدًا عناصر تلک الثقافة، ومکونات تلک الخبرة. وبأعتبار الفنون الشعبیة کانت وما تزال أحد الأنماط الفریدة التی أثْرت الحیاة الإنسانیة بأشکالها الخاصة الجذابة وصورها ورموزها الشائعة وألوانها المتمیزة التی تجذب اهتمامات العامة والخاصة من البشر علی اختلاف أجناسهم وطبقاتهم، وعلی تعدد اتجاهاتهم وأسالیبهم وتباین أذواقهم؛ حیث تقوم أول ما تقوم علی صدق الفطرة وصفاء النفس وعمق الوجدان فی تعبیراتها الجریئة وطرق تنفیذها واختیار موادها ووحداتها من واقع بیئاتها التی تحیی داخلها. وإنتاج أشیاء نافعة للإنسان فی حیاته الیومیة وفی الوقت نفسه جمیلة، فکرة قدیمة قِدم الإنسان، فقد کان الإنسان البُدائی یُجَمِّل الحراب التی یستعملها فی الصید إما بزخارف هندسیة محفورة عناصرها الخطوط المتوازیة والمتقاطعة أو المثلثات، أو برسم أشکال حیوانات علیها. ومع ظهور الحضارة الزراعیة وما تقتضیه من استقرار، بدأت تظهر أنواع أخری من الفنون الشعبیة التطبیقیة التی تغطی حاجات الإنسان التی تزایدت مع تزاید الوعی الحضاری نتیجة التجارة، وکان میدان الفنون الشعبیة واسعًا وثریًّا فی الفنون الیومیة مثل الأثاث والحلی وأوعیة المأکل والمشرب وأدوات الزینة، وکلما مارس الفنان الشعبی هذا الإبداع الیومی تمیزت هذه الأشیاء بجمال أشکالها ومناسبتها لوظائفها,وتأثیرها فی الواقع النفسی للأفراد والذی یؤثر علی تشکیل الشخصیة أثناء عملیة التنشئة الاجتماعیة. ومادیة العصر الحدیث بأشکالها الصناعیة صارت تهدد النشاط الروحی الموروث للإنسان فتمسک الإنسان بموروثاته التی رأی فیها جذوره التی تربطه بهذه الحیاة والتی إن تخلی عنها انقطع عنصر استمرار التراث الإنسانی ولهذا اندفع کثیر من المفکرین وأهل الأدب والفن فی مطلع القرن التاسع عشر إلی دراسة الفنون الشعبیة فصارت موضوعاً هاماً من موضوعات الدراسة العلمیة والجامعیة ومما زاد من آثار هذا الاهتمام هو ظهور اتجاهات تسعی لإعادة إحیاء هذه الفنون فی صور جدیدة. ولازالت هذه العملیة "عملیة استلهام أو استخدام أو اقتباس عناصر أو مواد أو موضوعات من الفولکلور، موضع حوار بین المهتمین بالتراث والفنانین أنفسهم