خلاصه ماشینی:
وإذا كان من المؤكَّد أنه لا يمكن التسليم بأن مثل هذا الفصل أمرٌ ممكن؛ فإن هذا الاحتمال يُوحي به على الأقلّ حقيقة أن هيدغر نفسه أسقط تقريباً جميع الإشارات إلى الفينومينولوجيا من كتاباته بعد «الكينونة والزمان» (Sein und Zeit)، وأنها لن تظهر فيما بعد إلاّ في مناقشاته الاسترجاعية في أواخر الأربعينيات.
لكنْ ما هي الفينومينولوجيا هذه بالمعنى الهيدغري؟ في الأجزاء المنشورة من «الكينونة والزمان» يقدِّم هيدغر تصوُّرين للفينومينولوجيا، أكثرهما اكتمالاً في الواقع هو ذو طبيعة أولية (Vorbegriff)، أما التصوُّر النهائي، الذي قرّر تحت عنوان «فكرة» (Idee) الفينومينولوجيا، فقد تمّ تكوينه للأسف بطريقةٍ عابرة تبدو مقدّمة لعلاجٍ أكمل، على الأرجح في الأجزاء المفقودة من الكتاب ـ في الواقع يظهر هذا العنوان مرّةً أخرى في مخطّط الجزء الثالث من «المشكلات الأساسية للفينومينولوجيا»، ولكن مرّةً أخرى لا يتمّ تنفيذه ـ.
منذ البداية، سيعلن هيدغر بوضوحٍ أن ما فهمه من خلال الفينومينولوجيا في «الكينونة والزمان» لم يكن مطابقاً لما قصده هوسرل، وأنه يملك حقّ تطويره بنفسه إلى ما بعد المرحلة التي كان قد وصل إليها معه، متَّخذاً بالتأكيد من فينومينولوجيا هوسرل الأساس الذي لا غنى عنه لمثل هذا التطوير، مشيراً بشكلٍ واضح إلى ضرورة «النفاذ داخل» الفينومينولوجيا، في «تحقيقاتٍ منطقية بشكل خاص لا في «أفكار» ونمطها المطوّر.
والكائن الإنساني «الدازاين» ليس قادراً على مثل هذا التفسير فحَسْب، بل إنه يتطلَّبه أيضاً؛ لأنه مثلما تميل الكينونة إلى السقوط في النسيان فإن لدى الكائن الإنساني» الدازاين» كذلك نزعةً متأصّلةً إلى ما أسماه هيدغر السقوط (Verfallen) ـ وهي كلمةٌ يمكن فهمها بمعناها الحرفي، ولكنْ أيضاً بمعنى الافتتان ـ، وهو سمةٌ من سمات نَمَط اليومية للكائن الإنساني «الدازاين»، التي يجب أن تنطلق منها الفينومينولوجيا الهرمينيوطيقية.