الهجرة فاتحة عهد جدید مقاله

"و بهذا العمل الجلیل الذی بدأ به الرسول کون من المسلمین کتلة واحدة و بنی منهم بناء قویا متماسکا یشد بعضه بعضا،و شعر کل مسلم أنه جندی‌ للإسلام و المسلمین،علیه أن یقوم بکل ما یستطیع من خدمات و واجبات، و اتجهت جهود کل فرد إلی الغایة الواحدة و هی نصرة الإسلام و عزة المسلمین، و الطمأن المهاجرون إلی البلد الجدید و العهد الجدید،و نسوا وطنهم و أهلهم‌ و دیارهم و أوالهم و أنس الأنصار بالمودة بینهم،و بالأخوة الذین جمعهم الله بهم، و أنثی الله علیهم بقوله«و الذین تبوؤا الدار و الإیمان من قبلهم یحبون من‌ هاجر إلیهم و لا یجدون فی صدور هم حاجة مما أوتوا،و یؤثرون علی أنفسهم‌ و لو کان بهم خصاصة»و امتن الله علی المسلمین جمیعا بنعمة هذا الإخاء و التألیف‌ بین قلوبهم. و أما زکاة المال فهی حق معلوم فرضه الله للفقراء و المساکین فیما یملکه‌ الأغنیاء من نقود و من سوائم الإبل و البقر و الغنم،و فی عروض التجارة، و فیما تخرجه الأرض من زرع،و ما تثمر الأشجار من ثمار،و قد شرعها الإسلام بنظام حکیم،فیه توفیق بین مصالح الأغنیاء و مصالح الفقراء،فشرط شروطا فیمن تجب علیه،و فی المال الذی تجب فیه،و حدد مقدار الواجب، و جعل بعض الواجب من رأس المال النامی،و بعضه من النماء و الإیراد، و جعل تنفیذ بعض الواجب إلی الغنی نفسه عبادة منه،و تنفیذ بعضه إلی‌ الحکومة تنفذه،و إشار سبحانه إلی إن هذا حق للففیر لا منحة، فقال:«و فی‌ أموالهم حق معلوم للسائل و المحروم»،و قال:«و آتوا حقه یوم حصاده»و أشار إلی أن المال مال الله و أن الأغنیاء مستخلفون فیه، و علیهم أن یشارکوا فیه المحاویج‌ من عباد الله،فقال:«و أنفقوا مما جعلکم مستخلفین فیه»و أشار إلی أن‌ الحکمة فی هذا الإیجاب تطهیر نفوس الأفراد،و تطهیر المجتمع من الشرور و الآفات،فقال:«خذ من أموالهم صدقة تطهیرهم و تزکیهم بها»أی تطهیر الأغنیاء من الشح و القسوة و الأنانیة و الحرص،و تطهر الفقراء من الحقد و الطمع و خواطر السوء،و تطهر المجتمع من العدوان و المبادی‌ء الهدامة،نهی‌ فی الحقیقة صیانة للمال و لرب المال،و صیانة لنفس الفقیر من أمراض السوء و لهذا قال رسول الله صلی الله علیه و اله:(حصنوا أموالکم بالزکاة)و هی نظام حکیم عادل‌ لو وجد من دین المسلم حافزا علی تنفیذه بوصف أنه عبادة و فریضة و دعامة من الدعائم الخمس التی بنی علیها الإسلام،و وجد من الحکومات الإسلامیة مشرفا و حارسا علی هذا التنفیذ."