خلاصه ماشینی:
"و ثمة سؤال نطرحه،هل کان صلاح الدین یعی الحقائق التالیة من خلال الممارسات و الأعمال التی قام بها آنذاک ضد الفرنج؟فالجواب علی هذا التساول یمکننا استنتاجه من دراستنا للقضایا التالیة: أولا:القاهرة مفتاح کل عمل مشترک ضد الفرنج کانت الدولة الفاطمیة فی أواخر القرن الخامس الهجری (الحادی عشر المیلادی)قویة من النواحی العسکریة و الاقتصادیة،فولیم الصوری مؤرخ مملکة بیت المقدس اللاتینیة عبر عن ذلک قائلا،«فإن خلیفة مصر أکثر المسلمین قوة بسبب ثروته الکبیرة و قواته العسکریة»8.
من هذا المنطلق یمکننا تفسیر الأمن القومی فی عهد صلاح الدین،فهو فی حقیقته لا یبتعد کثیرا عن هذه المفاهیم: أ-من الناحیة العسکریة إن قضیة التمزق و الخلافات التی کانت مستشریة بین قادة المسلمین قبیل الهجمة الفرنجیة الأولی و أثناءها،عبر عنها العدید من المؤرخین المعاصرین،و فی مقدمتهم ابن القلانسی،فنقل الینا صورة حیة لما آلت إلیه العلاقات العربیة الإسلامیة بقوله سنة 495 هـ(1101 م):«و فی هذه السنة وردت الأخبار بما أهل خراسان و العراق و الشام علیه من الخلاف المستمر و الشحناء و الحروب و الفساد و خوف بعضهم من بعض،لاشتغال الولاة عنهم و عن النظر فی أحوالهم بالخلف و المحاربة»37،فکان للتفرقة و الصراعات الداخلیة أثرها،فجبن الجمیع فی مواجهة الخطر الداهم،و کان بمقدور المسلمین آنذاک تحطیم القوات الفرنجیة الغازیة،إذا علمنا أن قواتها لم تکن بالکثرة التی یقف أمامها العرب و المسلمون عاجزین متخاذلین.
فصلاح الدین ضمن تحیید أکبر قوتین یمکن أن تتدخلا إلی جانب الفرنج فی الشام، فهو بسیاسته هذه حقق أهداف الأمن القومی لدولته،و لم تأت سنة 582 هـ(1186 م)إلا و کانت الجبهة العربیة الإسلامیة کاملة مستعدة،و وحدة مصر و الشام و العراق و الحجاز و الیمن التی نشدها صلاح الدین أصبحت حقیقة واقعة."