خلاصه ماشینی:
"أما عن هیئة ذلک التطور الدلالی المکتنف هذه الکلمة فهی الرقی،فمن ظلال سلبیة فی کلام السابق إلی أخری إیجابیة فی کلام اللاحق تقال فی مقامات المدح و الثناء،و لعل تفسیر هذا التطور یغدو قریبا باسترفاد أنظار ابن فارس المعجبة فی مقاییسه،فقد جنح إلی أن الشین و الطاء و الراء أصلان یدل أحد هما علی نصف الشیء،و الآخر علی البعد و المواجهة54و إخال أنها فی کلام السابق مأخوذة من الأصل الثانی الذی عرج علیه ابن فارس،و هو البعد و النزوح عن الأهل مراغمة أو مخالفة،أما فی کلام اللاحق فکأنها-و أقودل کأنها-مأخوذة من الأصل الأول،و هو نصف الشیء؛إذ إنها تکاد تکون فی العربیة المعاصرة مرادفة"بماهر"أو"ذکی"و کأن من یوسم بهذا المیسم یضرب بسهمه فی کل باب لیکون له منه شطر أو نصیب،لیصدق فیه المثل و علیه،:"فی کل عرس له قرص"، فکأنه شاطر یأخذ من هنا و هناک ما یفیده.
أما"الوصل"فهو کالخیط الجامع الذی ینتظم حبات العقد الواحد،فبین الأصل و النقل یتعین وجود الوصل،و هو المعنی الجامع الذی یؤذن بتطور الدلالة،و انتقالها من مضمار إلی مضمار،و لعل هذا قد و سم فی البلاغة العربیة بالمناسبة؛إذ إن المجاز هو اللفظ المستعمل فی غیر ما وضع له أولا لمناسبة بینهما146،و بعبارة الکفوی الدالة علی"الوصل"فی تعریف المجاز: "هو اسم لما أرید به غیر موضعه لاتصال بینهما"147،و المناسبة تلک،أو الاتصال ذاک،هو حلقة صل جامعة بین الدلالة المتقادمة و الدلالة الحادثة؛بین دلالة السابق و دلالة اللاحق،و لعل هذا یفضی إلی الإشارة إلی أن القدماء کانوا قد التفتوا إلی ملحظ التطور الدلالی عامة،و موضوع هذه الورقة خاصة،إن بالمثال، و إن بالتنظیر،و فی مصنفاتهم ما یومئ بأن لدیهم مجموعا متکاثرا من المثل التی نبهوا علی تطور الدلالة،لنرجع النظر فی قول ابن قتیبة:"و العرب تسمی الشیء باسم الشیء إذا کان مجاورا له،أو کان منه بسبب علی ما بینت لک فی باب تسمیة (146)."