خلاصه ماشینی:
"أما الکاتب المسرحی فإنه إذا أخذ نفسه بالنظر إلی الکلمة نظرة الشاعر و القصاص فراح یمد کتابه بالکلمات الرصینة و الصیغ الجمیلة و التراکیب المتینة المنتعشة بالحیاة،دون مراعاة لما تقضی به ظروف المسرح الخاصة،فإنه یجعل من مسرحیاته أعمالا لا تصلح لغیر القراءة أو الاحتفاظ بها فی أحد المتاحف أو المکاتب العامة لأنها فی هذه الحال تکون أعمالا جامدة فی حروفها لا تستطیع الخلاص منها:فعلی کاتب التمثیلیة إذن أن یحمل کلماته بتلک القوة المسرحیة التی تجعل منها کلمات مسرحیة ملفوظة و فاعلة.
لأنه لیس فی مقدور المخرج و الممثل أن یخلعا علی عمله و لغته من الحیاة و الحرکة و من الصور و الأشارات ما لم یستطع هو أن یقوم به،اللهم إلا عن طریق الافتعال الظاهر،و فی هذه الحال یری المتفرجون أنفسهم أمام فطعتین تمثلان فی آن واحد و یقوم بتمثیلهما نفس الأشخاص:إحداهما ملفوظة من خلق الکاتب،و الأخری «ملعوبة»من خلق المخرج و الممثل؛أو بأن یخلقا عمله خلقا جدیدا یختلف اختلافا جوهریا عما أراده،و فی هذه الحال من حق کل شخص أن یتسائل لمن تنسب هذه الروایة،أللکاتب أم للمخرج و فرقته؟ نحن لا نعنی بذلک أن یعمد المؤلف إلی رسم هذه الحیاة فی روایته بکل تفاصیلها و دقائقها حتی لا یدع شیئا لتصرف الممثل و نزواته:فمثل هذه المبالغة تضرب علی الدرامة بالجمود،فهی فی حاجة إلی حیاة أخری لتتفحصها و تبرزها.
أما إذا أحسسنا حیاة عمیقة تسری فی شرایینها فلا شک أن هذه الحیاة إنما جاءتها من أن المؤلف قد تصورها متصلة بعصرها الذی کتبت فیه،و کتبها لتحقق وسط الحیاة التی عاشت فیها و من أنها قد حییها بالفعل وفوق المسرح أناس من لحم ودم."