خلاصه ماشینی:
آخر الکلام: الوقت وقتک إیفا علویّة ناصر الدین ما أصعب أن یجد الإنسان نفسه عاجزاً عن قیادة أموره، وقاصراً عن تنظیم أحواله، ومرتهناً لظروف قاهرة تُرخی بثقلها علی کاهله.
لکن الأصعب أن یجد الإنسان نفسه عاجزاً عن قیادة وقته، وقاصراً عن إدارته، ومرتهناً لروزنامة مفروضة، تنقضی فیها الساعات بما لا حول له ولا قوة.
هذا هو حال شخص أقعدته العلة علی فراش المرض، ومنعته عن الحرکة والقیام، واستباحت الأوجاع أعضاءه، فأردته صریع الوهن، وجعلته أسیر العجز، ورمته رهین التأوه والآلام.
یجلس ذلک المسکین محدّقاً فی ساعة معلّقة علی الحائط، وکأنه یراها لأول مرة، یجتاح طنین عقاربها مسامعه وهی تدبُّ فی دورة متواصلة لا تنتهی، یرمقها بحزن وهی تختال متنقلة فی استفزاز سافر لأعصاب من بات لا یملک من أمره سوی احتساب الساعات والدقائق کی تنقضی.
یهزّ رأسه فی إشارات الحسرة متأوّهاً: «کل هذا الوقت کان ملکی،کل هذا الوقت کان تحت تصرفی عندما کانت الصحة فی أوجّها.
نعم،کان لدی المتسع من الوقت مع القدرة لفعل الکثیر الکثیر من الأشیاء.
الآن لدی المتسع من الوقت مع عدم القدرة علی فعل الکثیر من الأشیاء.
کان الوقت رهین إرادتی، وها أنا الآن رهین الوقت الذی تقطعنی فیه سیوف الألم والمعاناة.
لو أن الصحة تعود، وترجع العافیة إلی سابق عهدها لأفعلنّ کذا وکذا...
» إن مشهد ذاک المریض یحمل فی طیاته اختصاراً مُحکماً ووافیاً لموضوع أهمیة الوقت فی حیاة الإنسان وضرورة استثماره وتنظیمه وإدارته فیما ینفع وقبل فوات الأوان، والذی یحتاج المؤیدون له صفحات کثیرة من دروس أو محاضرات أو مقالات لشرحه والتأکید علیه.
إنّه یقول وبلا طول کلام : خذها من الواقع قبل أن تقع، الوقت وقتک اقِضِه قبل أن یقضی علیک...