ملخص الجهاز:
"نشوء المذاهب الاسلامیة فی ظل هذه الروح العقلانیة ومن الواضح انه لم یکن هناک شدید حاجة للاجتهاد فی عصر الرسول(ص) بعد ان کانت الاحکام والمفاهیم تؤخذ مباشرة منه، وربما اجتهد بعض الصحابة فاقرهم الرسول علی ذلک([lxxxviii]) وکان الاختلاف بسیطا وعندما اتسعت الرقعة الاسلامیة نزلت آیة النفر التی قررت واقعا، وشرعت اساسا للاجتهاد وحجیة خبر الواحد فقال تعالی (وما کان المؤمنون لینفروا کافة فلولا نفر من کل فرقة منهم طائفة لیتفقهوا فی الدین ولینذروا قومهم اذا رجعوا الیهم لعلهم یحذرون) ([lxxxix]) ولکن وتیرة الاجتهاد ارتفعت بطبیعة الحال بعد وفاة الرسول(ص) وهکذا استمرت بشکل اشد فی عصر التابعین الا ان المذاهب لم تظهر بشکل واضح محدد المعالم الا بعد هذا العصر.
وبالاضافة الی هذه العوامل الموضوعیة یمکن تصور عوامل معرفیة ذاتیة من قبیل سعة المعلومات وضیقها، وعوامل نفسیة وفردیة کمدی القدرة علی التحلیل الذهنی، وکذلک لایمکن ان نغفل دور العوامل السیاسیة والتاریخیة والمصلحیة والاجتماعیة وغیرها ، الا ان الاهم من ذلک فی بحثنا هذا هو ذکر النقاط التالیة: اولا : لقد کان ظهور المذاهب تعبیرا عن تطور فی العقلانیة الاسلامیة سدا لفراغ غیاب الرسول الاعظم(ص) وانقطاع الوحی من جهة، وتوسع الحاجات، وکثرة الحوادث، وتعقد المجتمعات من جهة اخری، وربما لتراکم المعارف الفقهیة وانطراح الفروع المتصورة من جهة ثالثة.
ورحنا نشهد فترات مریعة واسالیب لا اسلامیة من التکفیر والتفسیق والتبدیع _ کما یعبر الشیخ القرضاوی([xcvi]) مما ادی بعد ذلک الی نزاع عریض سالت علی اثره انهار من الدماء والدموع، مما مزق الامة وازالها عن موقعها الحضاری المطلوب،([xcvii]) وقتل أو أضعف الروح العقلانیة التی رباها الاسلام بکل ما یلازمها من (الاجتهاد الحر) و(التشاور المثمر) و (التغییر البناء) و (الحوار المنطقی)، وسیطرت مطلقات وهمیة من قبیل (المذهبیة المتفردة) و (الحق المحتکر) و (کفر الآخر) و(الاختصاص بالفرقة الناجیة) و غیر ذلک."