خلاصة:
تعد قضیة الاشتغال والتنازع واحدة من قضایا النحو الأکثر قدرة علی کشف منهج النحاة،
وخصوصا مسألة المفارقة بین نظریتهم والواقع اللغوی الذی اعتمدوا علیه والبابان من
أکثر الأبواب النحویة اضطرابا وتعقیدا.
یتفاوت أسلوب النحاة فی تعریف الاشتغال بین الختصار و الشرح المطول. هذا وقد أرجعت
فکرة العامل فی النحو عند الکثیرین إلی تأثر النحاة بأصول الفقه فقد ذهب الفقهاء
إلی القول بالعامل والبحث عن العلة، کما تأثر النحاة بعلم الکلام وعلمائه من قولهم
بأن لکل موجود موجدا، وأنه لا یمکن أن یکون هناک مخلوق بغیر خالق، ولم ینتبه
النحاة إلی الفرق بین طبیعة کل من العلمین حیث یعتمد النحاة علی شواهد من کلام
الناس فی حین یقوم الفقه علی النص القرآنی. و فی هذا المقال ننظر إلی تعریف
الاشتغال و التنازع و تأثیر اصول الفقه فی النحو العربی. *
ملخص الجهاز:
"وقد أطال النحاة فی شرح هذه المسألة إطالة یشوبها قدر کبیر من المبالغة وافتراض کل الصور، ومن صور العلاقة بین الفعل المحذوف والفعل المذکور أن یخالفه من حیث اللفظ والمعنی معا، ولا یتم ذلک إلا بوجود قرینة تدل علی هذه المخالفة مثل الإجابة: "کتابا أقرؤه" علی السؤال: ماذا اشتریت؟ فالمحذوف مخالف للمذکور لفظا ومعنی هذا عن الرکن الأول وهو الفعل المضمر، أما الرکن الثانی وهو الاسم المشغول عنه فقد اختلف النحاة حول ناصبه فذهب الجمهور إلی أن المشغول عنه منصوب بفعل محذوف یفسره الفعل المذکور لأنه یدل علیه، ووجب الإضمار للاستغناء عنه، وهذا الرأی هو الذی ساد فی کتب النحو وقام علی أساسه باب الاشتغال فی التراث النحوی، وذهب الکوفیون إلی أن المشغول عنه منصوب بالفعل المذکور بعده، ویتفرع داخل المدرسة الکوفیة رأی آخر للفراء یذهب إلی إعمال الفعل المذکور فی الاسم المشغول عنه والضمیر معا.
(سورة الحاقة، الآیة 19) وإذا نظرنا لهاتین الظاهرتین، فی محاولة لتفسیرهما، فإننا قد نجد أن السبب الأول فی ظهور ظاهرة الاشتغال هو فکرة العامل وما أدت إلیه من أحکام، فأی ظاهرة من ظواهر الإعراب عند النحاة أثر ولابد لها من مؤثر وموجد لها وعامل قد عمل فیها، وقد یکون هذا العامل ظاهرا أو غیر ظاهر، وقد وجد النحاة بعض الظواهر اللغویة کظاهرة نصب الاسم المتقدم علی الفعل ولا عامل هناک مثل "زیدا أکرمته"، ولا یصح عند النحاة أن ینصب الفعل الاسم وضمیره فی وقت واحد، فراح النحاة یبحثون عن مخرج حتی تتوافق الأمثلة أو الواقع اللغوی مع قواعدهم النحویة، فذهب جمهورهم إلی أن الاسم المتقدم منصوب بفعل محذوف واجب الحذف لدلالة الفعل الموجود علیه."