ملخص الجهاز:
"أتوقف عن ذکر الامثلة عند هذا الحد،مشیرا إلی ان المترجم یغلب علیه استعمال مصطلح المدنیة علی مصطلح الحضارة عبر فصول الاجزاء الخمسة لکلتاب،مع ان عنوانه«قصة الحضارة»کما-السبب الثانی-بین الاسباب المتعددة لهذا التداخل فی معانی المصطلحات،یعود إلی المعاجم التی تخلط فی اکثرها بین مدلولات هذه المصطلحات.
و إذا فهمنا من مدلولات التمدن انه تخلق باخلاق اهل المدن و انتقال من الهمجیة إلی حالة الانس و الظرف(المنجد)فذلک یفسر،فی مفهومنا،بمعنی الاخذ بمستلزمات الحیاة فی المدینة من حاجات مادیة و علاقات اجتماعیة و عادات و تقالید و سلوک و سوی ذلک مما هو مختلف عن حیاة البداوة.
وهکذا راج مصطلح الحضارة حتی ایامنا هذه علی حساب مصطلح التمدن،إلا ان هذا إذا غاب عن عناوین الابحاث لم یغب عن الاستعمال فی ثنایا الدراسات و الترجمات،کما بینا ذلک آنفا،واردف بمصطلح المدنیة الذی فاقه فی الشهره کذلک.
و لا ریب فی ان حیاة الاستقرار هذه فی الحاضرة تؤدی إلی قیام نظام اجتماعی یحدد علاقة الناس بعضهم ببعض،و یقیم الامن،و یحتم التعاون و من شأن ذلک ان یتیح للافراد فرصة التفکیر و التأمل لتأمین حاجاتهم و حاجات المجتمع،و هکذا تتحرک عجلة التقدم نحو الافضل،فیقوم نظام للحکم و تنشط الصناعة ملبیة حاجات الزراعة و الحیاة المدنیة،و تزدهر الآداب و الفنون،و تتفتق الاذهان عن الحکمة مستخلصة تجارب الحیاة،و تلتحم العقیدة الدینیة بحیاة الناس،و تلبی العلوم حاجات التقدم.
فثقافة عصر التنویر فی فرنسا القرن الثامن عشر،هی التی غیرت نظرة الناس إلی مفهوم حضارتهم و غلبت العقل و العلم،و طالبت بالعدالة الاجتماعیة و اسست للثورة الفرنسیة،و ثقافة عصر النهضة فی اوربا التی دعت للعودة إلی ما عرف باکلاسیکیة الیونانیة و الرومانیة،و نهلت من جهة اخری،من معین الحضارة العربیة-الاسلامیة عبر الاندلس وصقلیة-و ان انکر المکابرون ذلک-غیرت مجری الحضارة الاوربیة لزمان طویل."