خلاصة:
وضع المشکِّکون بالإسلام وبنبیِّه (ص) وبکتابه نصب أعینهم هدف نزع القداسة عن القرآن، وحیث إنّ هذا الهدف متوقّف على إثبات وجود الاختلاف والتهافت فی المعانی، والتفاوت والضعف فی الألفاظ؛ کان علیهم أنْ یثبتوا ذلک بأیّ وسیلة أُتیحت لهم، فنهض بعض علماء اللغة، یرفدهم بعض الملحدین المطّلعین على العلوم والتاریخ والکتب الدینیّة السالفة، نهضوا لنقض القرآن من هاتین الجهتین. وقد بدأت هذه المحاولات فی زمن النبی محمد (ص)، ومرّت محاولات نقض القرآن والطعن فی قداسته بمراحل ثلاث؛ هی: الأولى: مرحلة طرح الإشکالات الساذجة التی تتمسّک بالظاهر اللغویّ لبعض الآیات؛ لإثبات التنافی فیه. الثانیة: مرحلة تعمیق الإشکالات على ید المستشرقین، من خلال تتبّع بعض الحقائق التاریخیّة واللغویّة والعلمیّة؛ لإبراز القصور المزعوم فیه. الثالثة: مرحلة إثبات تاریخیّة القرآن وإنسانیّته من خلال استخدام المناهج اللغویّة فی محاکمته؛ بدعوى أنّه ما دام نصّاً لغویّاً؛ فهو یخضع، کغیره من النصوص، إلى مناهج التفسیر، وبما أنّ الهرمنیوطیقا أهمّ مناهج تفسیر النصوص، فقد استعملت بوصفها أحدث سلاح لإسقاط قداسة القرآن!
إنّ المنهج الهرمنیوطیقیّ، فی بعض معانیه، یشبه إلى حدٍّ بعید السکّین؛ بوصفه أداةً یمکن استخدامها فی اتّجاهین: اتّجاه نافع ومفید، وآخر ضار وهدّام: أمّا نفعه فبما یقدّمه من قدرة على فهم النصوص وتفسیرها ومحاولة الکشف عن دلالاتها یشکِّل أداة مهمّة ونافعة فی هذا المجال؛ وبالتالی فهو یساهم إلى حدّ بعید فی فهم النصّ الدینیّ فهماً عمیقاً، وخصوصاً القرآن الکریم الذی یمتاز بأنّه یحمل معانی إلهیّة لا تکاد تنتهی، ولا یکاد الإنسان یصل إلى عمقها وإدراک کنهها، ولکنّ ذلک لا یتمّ إلا مع المحافظة على قداسة النصّ والاحتفاظ بما له من خصوصیّة.
وأمّا ضرره فبما یقدّمه من وسیلة تساعد مَن اتّخذ موقفاً مسبقاً من النصّ الدینیّ، وعدّه حاجزاً یقف أمام تطوّر العقل العربیّ، ومن ثمّ قال بوجوب إزالته بأیّ طریقة؛ حیث یشکّل هذا المنهج أداةً هدّامةً بسوء استخدامه عند بعضهم، وتأتی تطبیقات الهرمنیوطیقا على القرآن الکریم لتنفی ما أثبته القرآن من حقائق؛ بذریعة إعادة فهم النصوص وتأویلها؛ بنفی المفاهیم التاریخیّة الأصلیّة وإحلال المفاهیم المعاصرة الأکثر إنسانیّة وتقدّماً!