خلاصة:
مرّ الاجتهاد الفکریّ الشیعیّ الإمامیّ بأربعة اختبارات فکریّة فی محطّات تاریخیّة مختلفة، حیث ظهر الاختبار الأوّل فی القرن الهجریّ الأوّل مع شیوع النزعة العقلیّة فی البیئة الفکریّة الإسلامیّة، وما دار من نزاع فی هذه المحطّة التاریخیّة بین الأشاعرة والمعتزلة؛ أدّى إلى اضمحلال مذهب الاعتزال الذی تمیّز بنزعته العقلیّة، ولکنّ الاجتهاد الفکریّ الإمامیّ بقی على حیویّته ولم یتاثّر بهذا النزاع.
وفی الاختبار الثانی فی القرن الهجریّ الرابع، لم یتأثّر الاجتهاد الفکریّ الشیعیّ بما حدث عند نظیره فی الساحة السنّیّة من إعلان إغلاق باب الاجتهاد.
وفی اختبار ثالث فی القرن السادس الهجریّ لم یتاثّر الاجتهاد الفکریّ الشیعیّ بما بات یؤرَّخ له فی الدراسات الفکریّة والتاریخیّة بنهایة الفلسفة عند المسلمین، بفعل انتصار الغزالیّ صاحب "تهافت الفلاسفة"، وهزیمة ابن رشد صاحب "تهافت التهافت"، أو تقدّم الغزالی وتراجع ابن رشد، الأمر الذی یعنی توقّف الحرکة العقلیّة فی المجال الإسلامیّ أو تعثّرها أو تراجعها.
وفی اختبار رابع ظهرت فی مطلع القرن الحادی عشر الهجریّ، فی ساحة المسلمین الشیعة، نزعة فکریّة ودینیّة، عُرِفَت بـ "النزعة الأخباریّة"، وأظهرت هذه النزعة ردّ فعلٍ فی مقابل تطوّر الفکر العلمیّ عند المسلمین الشیعة فی مجال أصول الفقه، رافضة هذا المنحى، ومعارضة مسلکه العقلیّ وموقفه تجاه العقل. وقد تمکّن الفکر الإسلامیّ الشیعیّ، فی هذا الاختبار، من التغلّب على النزعة الأخباریّة التی ظهرت فی داخله، ومن الانتصار النهائیّ علیها، وتحویل وضعیّتها من التأثیر فی المرکز إلى التأثیر فی الهامش. وهذا هو حالها الیوم فی البیئات والمجتمعات التی ظهرت فیها.