ملخص الجهاز:
"و لکنا لم نعتم أن رأینا الحرب قد انقلبت الی تناحر حیوانی بین الجماعات قد أهدرت فیها هذه النظم،ثم انقضت تلک الحروب و خلفت الفوضی فی نواح کثیرة بدرجة کبیرة حتی فشا الالحاد و الزندقة،و تدهورت الأخلاق،فشاع التهتک بین الرجال و النساء،و تمردوا علی العادات الصالحة و التقالید الکریمة،و أسیء فهم الحربة،فخیل لأهل الأهواء أن کل منکر یمکن أن یرتکب باسم الحریة،و تحلل الناس من الفضائل باسم المدنیة،و انعکست موازین الأشیاء فی نظر الناس،فصار التدین رجعیة،و الاحتیاط لصیانة العرض رجعیة،و مراقبة الأبناء فی تربیتهم رجعیة،و هکذا عملت المدنیة المادیة فی الأمم عمل السوس ینخر فی العظام،حتی تهدم کیانها،و انتقض بنیانها،ثم استفاق عقلاء الأمم علی أنات الألم،و صیحات الفزع من هذه الأحوال،و حاولوا جبر الصدع،ورم الرث،فعقدت المؤتمرات للنظر فیما أعقبه الحرب من هذا التطور الشدیدیا خطر علی الاجتماع،و علی السلام العام،رجاء توجیهه الوجهة النافعة للبشریة.
لهذا أجمع العقلاء بعد ما بلوا هذه المدنیة المادیة و ابتلوا بها،أنها قد أفلست فی إسعاد البشریة،و ذهبوا فی تعلیل ذلک مذاهب شتی،أقربها الی الصواب أن تلک المدنیة إنما أفلست لأنها فقدت أهم العناصر للوصول الی هذه الغایة:و هو العنصر الروحی،أو عنصر الدین؛ فالمدنیة إن لم تنتظم هذا العنصر فلن تصل الی غایتها أبدا."