ملخص الجهاز:
"لکن العهد الیوم قد أوغل فی البعد عن هذه الرکانز البدئیة،و لهذا یحق لنا أن نتساءل:ما الذی بقی من الأساطیر و رموزها فی عصر یغزو فیه الإنسان الفضاء؟ إن العقل العلمی الحدیث قد اتخذ نهجا معرفیا بعیدا عن الفکر الأسطوری،و لکن إذا توجهنا إلی حدود التقالید و الأعراف و المأثورات و الطقوس فإننا سنجد فیها بقایا رموز و ممارسات لا یمکن إلا أن نردها إلی منابعها الأولی الأسطوریة.
و مع مجیء الإسلام و سیادة التوحید کان من الطبیعی أن یتم إبعاد المضمون الوثنی،مع الابقاء علی سلوک بعض الطقوس القدیمة ضمن صیاغات جدیدة مثال ذلک طقوس الاستسقاء القدیمة للمعبود حذد،ثم صیاغتها بشکل عقلانی و منظم فی الإسلام،و هو الصلاة و التضرع لله، مع بقاء رموز قدیمة فی المعتقد الشعبی،کأن یلبس المصلی جبة أو یحمل مظلة إلی أن انتهی ذلک بصیاغة الفاصل الغنائی الفنی الرائع و هو موشح(إسق العطاش)و نجد استسقاء مغایرا،هو استعطاف الشمس لإرسال نورها و دفنها،و الشمس من المعبودات القدیمة،و قد أقام عرب الجاهلیة لها صنما بیده جوهرة علی لون النار،و له بیت و سدنة و حجاب،و کانوا یأتون البیت و یصلون فیه ثلاث مرات فی الیوم،یسجدون للمس إذا طلعت و إذا توسطت السماء و إذا غربت،و لهذا نهی الرسول(ص)عن الصلاة فی هذه الأوقات.
الإبداع و الرمز تشکل بعض الأساطیر و الحکایات الشعبیة البنیة التحتیة لإبداعات فی الفن و الأدب و المسرح، و منها مثلا قصة عائد إلی حیفا لغسان کنفانی و التی تتکئ علی حکایة الحکم الذی أصدره سلیمان الحکیم بشأن امرأتین ادعتا أمومة طفل،و کان الشاعر العربی القدیم قد أورد بعض الإشارات الأسطوریة فی شعره کقول النابغة الذبیانی فی بناء الجن مدینة تدمر: إلا سلیمان إذ قال الإله له قم فی البریة فاحددها عن الفند و خیس الجن إنی قد اذنت لهم بینون تدمر بالصفاح و العمد و کان من تقالید الأعراس أن تحمل فی موکب العرس صورة فطوم المغربیة و تعلق مع الجهاز فی صدر البیت کأنها عشتار الجمال و الحب و الخصب."