ملخص الجهاز:
مشکاة الوحی : فی التقوی قال الله تعالی: (إنّ أکرمکم عند الله أتقاکم).
التقوی تعنی فی العرف وفی اصطلاح الأحادیث "وقایة النفس من عصیان أوامر الله ونواهیه وما یمنع رضاه وکثیراً ما عرفت بأنّها حفظ النفس حفظاً تاماً من الوقوع فی المحظورات بترک الشبهات" فقد قیل: "ومن أخذ بالشبهات وقع فی المحرمات وهلک من حیث لا یعلم".
لا بدّ أن نعرف أنّ التقوی، وإن لم تکن من مدارج الکمال والمقامات، ولکنّه لا یمکن بدونها بلوغ أی مقام وذلک لأنّ النفس ما دامت ملوثة بالمحرمات، فلا تکون داخلة فی الإنسانیة، ولا سالکة طریقها، وما دامت تمیل إلی المشتهیات واللذائذ النفسیة وتستطیب حلاوتها، فلن تصل إلی أول مقامات الکمال الإنسانی.
غیر أنّ صحة النفس وسلامتها عبارة عن الاعتدال فی طریق الإنسانیة، ومرضها وسقمها هو الاعوجاج والانحراف عن طریق الإنسانیة وإنّ الأمراض النفسیة أشدّ فتکاً بآلاف المرات من الأمراض الجسمیة.
وذلک لأنّ هذه الأمراض إنّما تصل إلی غایتها بحلول الموت.
فما أن یحل الموت وتفارق الروح البدن، حتّی تزول جمیع الأمراض الجسمیة والاختلالات المادیة، ولا یبقی أثر للآلام أو الأسقام فی الجسد ولکنّه إذا ذاق أمراضاً روحیة وأسقاماً نفسیة لا سمح الله فإنّه ما إن تفارق الروح البدن، وتتوجه إلی ملکوتها الخاص، حتّی تظهر آلامها وأسقامها.
لذا فإنّ الإنسان الراغب فی صحة النفس، والمترفق بحاله، إذا تنبه إلی أنّ وسیلة الخلاص من العذاب تنحصر فی أمرین: الأول: الاتیان بما یصلح النفس ویجعلها سلیمة والآخر هو الامتناع عن کلّ ما یضرها ویؤلمها، قال تعالی: (یا أیها الذین آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ...