Abstract:
تخلق الرواية المعاصرة إيقاعها الخاص وتجعل بين كل العناصر التي تشكّل معمارها البنائي علاقات خاصة، سواء أكان ذلك على مستوى بنيتها أو اللغة التي كتبت بها. إنها تنقل عددا لا منتهيا من الخطابات التفاعلية والجدلية بين القارئ والكاتب الذي يرى بدوره في جنس الرواية اختيارا يمارسه من بين إمكانيات أدبية متعددة، إلا أن الحرية المطلقة في اختيار الجنس الأدبي المعبر عن رؤية الكاتب لعالمه التخيلي قد تتعارض عندما يحاول استلهام خطاب لغوي آخر يعزز به رؤيته الفنية فيجعل النص يخالف ما يعرف بالشكل الأدبي. إلا أن النص الرقمي/ الالكتروني ذا الشكل المتراوح بين الرسالة القصيرة والمراسلة الالكترونية كان ركيزة في بناء نص بوح الوجع لغويا. فقد استثمر الكاتب خاصية استيعاب الرواية لكل شكل أدبي ليوظف التداخل الإجناسي. من هنا نفترض أن شعرية النص الرقمي في رواية بوح الوجع ستكون مؤسسة على ما نستنطقه من خصائص هذا الخطاب الأدبي النوعي وكيف يبني هذا النص جل إيقاعاته الخاصة.
Machine summary:
إلا أن هذه النظرية الأرسطية للأجناس الأدبية لم تبق حبيسة عصره، وإنما تجاوزته ليشهدها العصر الحالي وهذا ما هو ملاحظ في الدراسات النقدية المعاصرة نبدؤها مع أعمدة التيار الشكلاني حول ما يعرف لديهم بالقيمة المهيمنة: "فعلينا أن نتذكر دائما أن العنصر الذي يحدد نوعا ما من اللغة يسيطر على البنية الكاملة ومن ثم يعمل بوصفه مقوما إجباريا وغير قابل للتحويل يتحكم بالعناصر الباقية جميعا ويمارس تأثيرا مباشرا عليها" فهذا المسيطر يعد المكون المحوري في العمل الفني فعلى سبيل المثال نجد السرد هو القيمة المهيمنة في الرواية وبالتالي يصبح هذا المكون العنصر الأساسي في تصنيف الأعمال الإبداعية اللاحقة هذا من جهة ومن جهة أخرى فهذا يعني أن مبدأ صفاء الأجناس كان يعدُّ من أهم الصفات التي يتميز بها الخطاب الأدبي آنذاك.
أما "محمد الصالح الشنطي" فيفرق بين الثنائيتين فيرى في التناص توظيفا فنيا للنصوص السابقة في النصوص الآنية في حين التداخل هو عملية تداعي داخل التشكيل الفني للنصوص بمعنى أن كل عنصر داخل جنس الرواية مثلا يستدعي جنسا آخر ويقدم لنا مثالا عن ذلك بالرواية فهي فن سردي يستدعي فنا سرديا أخر هو القصة القصيرة وهي بدورها تستدعي فنا آخر هو الشعر ولكن هذه الرؤية قد توهمنا بحكم مناقشتها مناقشة حداثوية أنها صفة مميزة للنصوص المعاصرة فقط أبدا بل نجد هذه الفكرة في تراثنا النقدي فهذا "ابن طباطبا العلوي" يناقش فكرة الشعر القصصي في كتابه "عيار الشعر"، يفرد عنصرا كاملا للشعر القصصي في قول الأعشى فيما اقتصه من خبر السموأل ولا يمكن القول إننا نبحث عسيرا حتى نجد مثالا على هذا القول فالأمثلة كثيرة في أدبنا القديم والحديث على المعاصر.