خلاصه ماشینی:
أمّا الفيل فهو الشعب، إذ يوهمه الحاكم (المدرب) بأملٍ جسديّ لا يعدو كونه فتات مائدته الصباحيّة، في سبيل استخراج واستنفاذ كلّ طاقات الشعب البشريّة في الإنتاج أو فلنقل في الخضوع، تارة تحت شعار الولاء للوطن، وتارة تحت شعار الفرد الطموح، وتارة تحت شعار المشاركة السياسيّة في بناء الدولة، وحينًا تحت شعار الديمقراطيّة، فتنتشر إذ ذاك الفوضى بين أفراد المجتمع، وتتلاشى الفعاليّة العقليّة، لتصبح الحقيقة كائنًا هلاميًّا خميريًّا يشكّله الحمقى كما يحلو لهم، فيضطرون إلى وسائل الإعلام، من صحف ومجلّات وإذاعات وقنوات فضائيّة، ومواقع التواصل الاجتماعيّ، لتداول الشتائم والآراء التافهة في كلّ شيء، متفوّقين على الفيل بعروضهم البهلوانيّة والسياسة، ويكون جلّ ما تتّجه إليه أنظارهم ..
إنّ كون التفكير طيرًا داخليًا، يتطلّب حتمًا سماءً عقليّة صافية، ولتحقيق صفاء الذهن المنشود، يحتاج الفرد وقتًا من عدم الالتفات للخارج، وعدم الالتفات للخارج يعني إيقاف الحركة الخارجيّة الواردة إلى النفس من بوابات الحسّ، والتي بدورها محكومة بمفاتيح الرغبات والمخاوف، وهنا تكمن خطورة الخارج، إذ بوقوفه على أرضيّة الطبيعة البشريّة (الجسديّة المعيشيّة) وضروراتها، يقتحم خلوات العقل والقلب، لتتشتّت أفكار الفرد فلا يعود قادرًا على قراءة صفحة واحدة من كتاب، ولا التفكير لبرهة في هويّته، من هو وماذا يريد، ولمَ هو هنا في هذا العالم؟ وأمّا القلب فمنجرف كغصن ذابل بتيار نهر جبليّ، ومتى ما تمكّن الفرد من إسكات صوت الرغبات والمخاوف، وحصره في أرضه المرسومة له، من دون إتاحة أدنى فرصة له للاستحواذ على طروادة عقله، يكون قد خطا أولى خطواته باتجاه المعنى، ومدار الحقيقة وتشكيل لوحة المعرفة بألوانها الزاهية، ومشاهدها الخلّابة البديعة، ومع كثرة التمرّن على ممارسة هذه العمليّة التجريديّة، سيقف الفرد على وهم الخارج بركائزه الزمكانيّة كلّها، وهو الأمر الذي ليس للأنظمة الحاكمة (الاستعمارية) أيّ نيّة لقبوله ..