نظام الوقف فی الإسلام (و آثاره المترتبة علیه) مقاله

"أما أبو یوسف رضی الله عنه فقد أجاز وقف الواقف علی نفسه ابتداء ثم منع ما استدل‌ به محمد من أن وقف الواقف علی نفسه ابتداء معناه تملیک ما یملکه إلی نفسه و أنه‌ کالصدقة المنجزة،لأن إحالة الوقف إلی الله عند أبی یوسف معناها انتقال الملکیة من الله إلیه فی کل غلة الوقف أو بعضها،و لأن وقف الواقف بعض غلة العین الموقوفة أو کلها ابتداء علی نفسه لیس معناه تملیک النفس ما کانت تملکه الذی هو عبارة عن تحصیل‌ الحاصل،بل معناه استعارة غلة الوقف علی أیة صورة من صورها من الله للواقف،و هذا لا تعسف فیه بل هو واقع و جائز،فقد نقل العلامة ابن الهمام أن رسول الله صلی الله علیه و سلم‌ کان یأکل من صدقته الموقوفة علی المسلمین،و الأکل منها فی جانب النبی صلی الله علیه و سلم‌ أمارة جوازها،بل قد ثبت بعد ذلک أن عمر رضی الله عنه وقف عینا ثم أکل منها طیلة حیاته،و ثبت أن کثیرا من أئمة المسلمین و سراتهم انتفعوا من أموالهم الموقوفة و اعتبروها مستغلا یجری علیهم منه بر غیر قلیل،و قد اتفق العلماء علی أن الواقف إذا وقف سقایة أو وقف‌ أرضا و أقام فیها مقبرة أو أقام علیها مستشفی أو معهدا ثم أراد الانتفاع بکل هذه المؤسسات‌ فلیس بممتنع علیه شرعا إذا اشترط لنفسه أن یشرب من هذه السقایة أو یتعلم فی ذلک المعهد أو یدفن فی تلک المقبرة أو یتطبب بذلک المستشفی،لأن الوقف فی معناه و مدلوله التقرب الی الله فاشتراط الواقف حبس الموقوف علی نفسه کله أو بعضه لا ینفی معنی هذه القربة بل یزیدها توثقا عند الواقف،فقد روی عن رسول الله صلی الله علیه و سلم«نفقة الرجل علی نفسه‌ صدقة»."